 |

|
في يوم السبت 24 نونبر
2007 الموافق ل 14 ذو القعدة لسنة 1428 ه ،
انطفأت شمعة احد رجال المغرب القلائل الذين ظلوا على التبات في مبادئهم ولم تستهويهم المناصب ولا ظلمة الاعتقال والطرد والاضطهاد، بل ظل الفقيد يحمل إلى آخر
دقائق حياته نفس تلك المبادئ التي شرد و عذب من اجلها .... إنه سيدي شرحبيل
محمد نجيب بن عزوز البوفي الإدريسي. ويمتد
نسبه إلى الحسن بن فاطمة الزهراء عليها
وعلى أبيها الصلاة و السلام. وقد تم اختيار الاسم العائلي تيمنا بالصحابي
الجليل شرحبيل بن حسنة قائد جيوش الفتوحات الإسلامية
الأولى
في عهد رسول الله
.
ولد سيدي محمد نجيب رحمه الله
في سنة 1939 في وسط محافظ (قرية
الولي الصالح سيدي عبد العزيز بن يفو
(أبو الليث) 16 كلم شرق
مدينة الوليدية بإقليم الجديدة وهي قرية تعرف بكونها محجا للزوار الراغبين في
التداوي بالقرآن الكريم) إذ كان والده الشيخ الجليل سيدي عزوز إماما للمسجد
وخطيب جمعته
ومؤسس مدرسته القرآنية التي كان يدرس فيها علوم الحديث واللغة والنحو والتفسير.
وكان الشيخ يحب آل بيت رسول الله لدرجة أن أسماء كل أبنائه كانت تبتدئ بمحمد (محمد
نجيب، محمد جمال، محمد المدني، محمد المكاوي، محمد العماري،
محمد الصديق) وبناته بأسماء بنات رسول الله (رقية، فاطمة، زينب).
تلقى الفقيد تعليمه الأولي على يد
خاله الفقيه الطالب مخلص
محمد حيث حفظ القرآن في سن مبكرة
ثم تعلم باقي علوم اللغة على
يد والده الفقيه سيدي عزوز أصبح
بعدها خطيبا للجمعة بمسجد زاوية بن يفو
خلفا لوالده. ثم انتقل بعدها إلى
مراكش حيث نال شهادة الباكالوريا.
مكث بجامعة القرويين
بفاس ثم التحق بكلية ابن يوسف بمراكش ومن تم إلى كلية الحقوق بالرباط حيت يعتبر فوج الفقيد
أول فوج طلبة يحصل على منحة في عهد الاستقلال. مكث في الرباط إلى حين حصوله
على شهادة الإجازة في الحقوق. ثم انتقل إلى
الجديدة بعد تعيينه
كأستاذ بالمعهد
الإسلامي .
إنخرط الفقيد في العمل النقابي مند فجر الاستقلال
فكان مراسل جريدة الرأي العام بالجديدة وكاتب الإتحاد الوطني
للقوات الشعبية بإقليم الجديدة
ثم عضوا في اللجنة الوطنية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية صحبة المكناسي، الطهطاوي، الدجيوجة،
ابوشعيب الحريري...
كانت تربطه علاقة وثيقة بمحمد الوديع الاسفي الشاعر
المناضل وسارا على
نفس الدرب وتعرض للاعتقال والتعذيب تارة وللتهديد والمساومة
ثارات أخرى مما دفعه للاستقالة
من منصبه كأستاذ بثانوية الرافعي بالجديدة ومن تم العطالة وهو الذي يعول عائلة كبيرة ما من
معين إلا رفيقة دربه التي قاسمته المعاناة الحاجة فاطمة معروف.
كان أهل عشيرته يحرصون على مناداته بلقب
سيدي مومن وإذا سالت عن مصدره يقال لك إن الرجل كان يعيل بعض إخوته وأبنائه براتب
شهري لا يتعدى 420 درهما في الوقت الذي تتدفق عليه الخيرات من حيث لا يدري. يحكي
ابن عمه السيد إدريس شرحبيل أنه في يوم من الأيام عاد إلى البيت ووجد أن أفرادا من
العائلة حلوا ضيوفا عليه ولم يكن يملك درها فقصد غرفة نومه واخذ جلبابه الجديد الذي
لم يتسن له قط أن يلبسه وباعه في السوق واشترى بثمنه كبابا لضيوفه.
رحل الي زاوية
احنصال بإقليم ازيلال حيث عين بقسم
التوثيق كعدل ومن تم إلى مدينة
ازيلال حيث
أمضى
سنتين قبل أن يلتحق بسلك العدول لدى ابتدائية بني ملال في
أواخر 1973.
ما إن استقرت الأمور ببني ملال،
حتى قام رحمه الله
بإحضار العائلة دون أن ينقطع عن عائلته الكبيرة التي دأب على
زيارتها في كل المناسبات. كان على ارتباط شديد بحزب القوات الشعبية حيث كان بيته
قبلة لكل وافد على المدينة كاليازغي وغيره.
شغل منصب رئيس مكتب العدول و أسهم بشكل فعال في إنشاء جمعية عدول بني ملال و
إعداد آليات عملها وكان يعرف بدقته وتفانيه في عمله إلى آخر يوم في حياته.
عاش رحمه الله حياة جواد لا يخشى
الفقر فكان إذا أعطى كتم
وإذا اؤتمن صان وعرف بين
أقربائه و أصحابه بالروح الخفيفة
الطيبة وكان بين
أهله ممن قال عنهم رسول الله خيركم خيركم لأهله.
في ربيع 2002 أصيب بورم سرطاني
بالحنجرة اضطره إلى إجراء عملية جراحية والخضوع لسلسلة فحوصات دقيقة نتج عنها إجراء
ثقب في حنجرته وبالتالي
عجزه عن النطق بشكل طبيعي... الشيء الذي لم يفقد ذلك الجبل
البشري القدرة على التحدي .. تحدي الإعاقة فالنسور لا يسعها إلا أن تطير في الأعالي
... وما لبث أن استطاع
أن يزهق الكلمة تلو الأخرى ليتخلص من الإعاقة ويكتسب القدرة
من جديد على النطق. أي رجل أنت .... وبعدما كان الكل يظن
أن شمعته على وشك
أن تخمد،
استطاع الرجل أن يعود إلى سابق عهده من الجد والنشاط ممتطيا سيارته المحبوبة الرونو 12 البيضاء
مسابقا الزمن بكل إصرار وشموخ. و ظل في عمله بنزاهة وتفاني إلى أن لبى دعوة ربه. لقد ابتلاه ربه
في آخر حياته بإعاقة تمسح ذنوبه فكان العبد الشاكر الصبور المرابط بعون الحاجة
فاطمة أطال الله عمرها.
كان آخر ما قاله
لي على الهاتف ساعتين قبل وفاته ردا على ممازحتي له "إياك أن تموت قبل أن أراك" :
" و إذا جاء أجلهم لا يستاخرون
ساعة ولا يستقدمون" صدق الله العظيم.
سيدي يا عْزيزي، ما
وفيت قدرك في الدنيا أسئل الله أن يوفيك قدرك في الجنة وأن يتقبل مني ويلحقني
بك مسلما يا أبا سمية إنه على كل شيء قدير .